السبت، 21 يوليو 2012






رمضانيات من مدينة ساه
كتب : د/ رزق  الجابري



تعيش ساه هذه الأيام كبقية مناطق العالم الإسلامي حواضر وقرى وبوادي مناسبة عظيمة وهي شهر رمضان الكريم الذي يعد من أعظم الشهور الهجرية وله طقوسه الخاصة التي تختلف من منطقة لأخرى على مستوى البلاد , في حضرموت الطقوس الرمضانية للمكلا تتباين نسبيا عن ما هو سائد في الشحر والتي تختلف هي الأخرى عن الحامي والديس الشرقية هذا بالنسبة لساحل حضرموت
أما في الوادي فالوضع يتباين أيضا بين سيؤن و تريم والقطن وشبام لا نريد هنا أعطا صورة عن التماثل والتباين في الطقوس الرمضانية داخل حضرموت ولكن الهدف من ذلك هو تقديم صورة عن الحياة الرمضانية في مدينة ساه من باب التذكير بتراثنا الرمضاني لان الذكرى تنفع المؤمنين فالحفاظ على التراث عامة والرمضاني خاصة من ضروريات الحياة ونقله للأطفال للحفاظ علية واجب حضاري وأخلاقي لان هذا الموروث يتعرض للاندثار والتحلل بفعل جملة من العوامل لعل أهمها التحضر العشوائي الذي قفز علينا في نهاية القرن الماضي وبداية الألفية الثالثة ورافق ذلك سلوكيات غريبة ألقت بظلالها على منظومة الحياة العامة بما في ذلك طقوس رمضان .

لعل أول الرمضانيات في ساه هو استقبال الشهر الكريم وغالبا ما يكون في العشر الأواخر من شعبان حيث يتم الترحيب في المسجد بعد صلاه المغرب بابتهال ولعل أشهر المساجد شهرة في هذه المناسبة الرمضانية
مسجد وجامع الصيقة , إمام المسجد الأستاذ الفاضل والتربوي والمرشد الاجتماعي محمد عبود باغوزة لازال محافظا على هذا الموروث ويتميز بصوت لا مثيل له بالرغم من كبر سنه الذي تجاوز الخامسة والسبعين نتمنى من الله أن يطيل عمرة مقرونا بالصحة . وهذا الابتهال طويل ومطلعة

رحبوا يا صائمينا شهر رب العالمينا عاده الله علينا وعليكم اجمعينا

ثم يردد الأطفال هذه الكلمات خلف الإمام الفاضل وهكذا حتى ينتهي الابتهال بعد ذلك ينطلق الأطفال إلى بيوتهم عبر الأزقة ( المطاريق ) مرددين الترحاب برمضان وهناك تستقبلهم أمهاتهم وتقدم لهم مكافأة تشجيعية قطع من الخبز أو حبات من التمر أما الحوافز المعنوية فتقوم الأمهات بإرشاد الصغار على مضاعفة النظافة والطاعة والذهاب إلى المسجد وقراءة القران والاستماع إلى دروس رمضان

ومن مظاهر الترحاب الأخرى شروع الأطفال ببناء المساجد حول بيتهم حيث يتم تحديد مساحة صغيرة في واجهة البيت ثم يقومون يتسويرها بالأحجار الصغيرة مع تحديد القبلة والمدخل بعد ذلك يتم تبليط الأرضية بالطين الممزوج بالرماد أو يتم جلب أحجار من مسيال وادي عدم وتسمى هذه الأحجار محليا بالقاصة وهي في الواقع صخور جيرية ترسبت في أزمان ماضية . حيث يتم طحن هذه الأحجار ويضاف إليها الماء ثم تطلى بها الأحجار والأرضية فتعطي اللون الأبيض في شكل محاكاة للمسجد وعند دخول المسجد يتم من المدخل ولا يتم القفز فوق السور لأنه يمثل جدار. ومع ومغيب شمس اليوم الأول من رمضان يتجه الصغار إلى مسجدهم مصطحبين التمر والماء وعند سماع آذان المغرب يتناولون التمر ويشربون الماء في عجالة ثم يركضون إلى المسجد لأداء الصلاة جماعة وسط تشجيع من الأهل وعامة الناس.

ومن المظاهر الأخرى لقدوم رمضان غسل الأثاث المنزلي حيث يتوجه عامة الناس ذكورا وإناثا في شكل عمل جماعي إلى مناطق الوفرة المائية أما في آبار الحقول الزراعية أيام السناوه يكون الغسيل بالقرب من (الثارة) وبعد دخول المضخات في بداية خمسينيات القرن الماضي تم تخصيص مكان للغسل. وقد يتم ذلك في العيون الطبيعية حيث يتم تنظيف كل مقتنيات البيت من أواني طبخ وفرش نوم وملابس مرددين هتافات مرحب مرحب يا رمضان رحبوا ياصائمينا والشيء الذي يلفت الانتباه أنه لا توجد مفاخرة أو كبريا بما يملك الفرد من أثاث وأدوات طبخ .

وهناك مظهر آخر للترحيب برمضان وهو إعداد المائدة حيث تنهمك نسوة ساه في عملية التحضير وهنا نقتصر على نموذج تحضير الشربة لأننا سوف نتحدث عن المائدة في حلقة خاصة , وفي هذا الصدد يقمن بتنقية القمح البلدي المعروف محليا بالعبادي من الشوائب ووضعه في أكياس مصنوعة من القماش الأبيض بعد ذلك يتم تهيئته في الطاحون .

هذا الموروث الثقافي بالرغم من أهميته الدينية والثقافية والاجتماعية اخذ في التلاشي تحت مبررات لا نريد الخوض فيها ولكن الأفراد الذين يعارضون ممارسة هذه الطقوس بداء نجمهم في الأفول بعد سطوعه خلال العقدين الماضيين مع صحوة الهوية الثقافية التي باتت تنتشر كانتشار النار في الهشيم .وهنا ينبغي من عامة الناس بكل أطيافهم ومشاربهم الثقافية العمل على إعادة هذه المناسبة الرمضانية إلى وسطنا الرمضاني كونها تكون وعيا اجتماعيا معتدلا يتسم بالتسامح والإخاء يعود بالنفع على تنشئة أطفالنا يعرفون تراثهم فالشعوب والأمم لم تنهض إلا بإحياء تراثها. وهذه دعوة أوجهها إلى كل أهالي ساه ينبغي أن نحدث صحوة هوية ثقافية عليكم الحفاظ على موروثكم الثقافي ونقلة إلى أطفالكم قبل أن يندثر وتصبحون جماعة بلا تراث كالشجرة التي بلا ظل وبلا ثمر.

مدونة هنا ساه

0 التعليقات